مقدمة:
سنتناول في بحثنا هذا جملة من الأمور لقطع الخلاف حول حقيقة التشيع واثبات قدم التشيع من عدمه اعتمادا على الأدلة العقلية والنقلية.
اعتمد علماء الطائفة الامامية في بحوثهم العقائدية والتاريخية على الأدلة العقلية والنقلية لمناقشة الخصم والمدعي وذلك بالرجوع إلى كتب الخصم المعتمدة وكشف المستور وتقديم الدليل، ولما كانت كتب الصحاح العشرة لدى السنة هي أفضل الكتب فان الأدلة المقدمة لهم منها هي أفضل وسيلة للمناقشة وكلما اقتربت الأدلة من أفضل الصحاح كان الدليل أقوى وعلى هذا الأساس فسوف اهتم بالصحيحين المعتمدين وهما صحيحي مسلم والبخاري ونترك المجال للباحث اللبيب في سبر غور درجات تلك الأحاديث وهذا الجهد سوف لن يمنعنا من الاعتماد على الأدلة المتوفرة في بقية الصحاح.
الأمر الأول: ادعاء الولاء والمحبة لأهل البيت
يدعي كل من أتباع مدرستي أهل البيت والخلفاء حبهما لأهل البيت وينبغي لنا أن نحدد درجة حب كل منهما لأهل البيت ودرجة مصداقية هذا الحب وعلى هذا الأساس ينبغي أن نحدد شروط هذه المحبة وحقيقة تطبيقها على ارض الواقع من خلال استعراض الشواهد التاريخية والسياسية.
من كتاب المناقب مرفوعاً إلى بن عمر قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقلت: يا رسول الله ما منزلة علي منك؟
فغضب ثم قال: ما بال قوم يذكرون رجلاً عند الله منزلته كمنزلتي ومقامه كمقامي, إلا النبوة, يا بن عمر إن علياً مني بمنزلة الروح من الجسد, وإن علياً مني بمنزلة النفس من النفس, وإن علياً مني بمنزلة النور من النور, وإن علياً مني بمنزلة الرأس من الجسد, وإن علياً مني بمنزلة أبغضني فقد غضب الله عليه ولعنه, ألا ومن أحب علياً فقد أوتي كتابه بيمينه وحوسب حساباً الزر من القميص, يا بن عمر من أحبّ علياً فقد أحبني, ومن أبغض علياً فقد أبغضني, ومن يسيراً, ألا ومن أحب علياً لا يخرج من الدنيا حتى يشرب من الكوثر ويأكل من طوبى, ويرى مكانه من الجنة.
ألا من أحب علياً هانت عليه سكرات الموت وجُعل قبره روضة من رياض الجنة, ألا ومن أحب علياً أعطاه الله بكل عضو من أعضائه خولاً وشفاعة ثمانين من أهل بيته, ألا ومن عرف علياً وأحبه بعث الله إليه ملك الموت كما يُبعث إلى الأنبياء وجنبَه أهوال منكر ونكير وفتح له في قبره مسيرة عام, وجاء يوم القيامة أبيض الوجه يُزف إلى الجنة كما تُزف العروس إلى بعلها, ألا ومن أحب علياً أظله الله تحت ظل عرشه وأمنه يوم الفزع الأكبر, ألا ومن أحب علياً قبِل الله حسناته ودخل الجنة آمناً, ألا ومن أحب علياً سُمي أمين الله في أرضه, ألا ومن أحب علياً وُضع على رأسه تاج الكرامة مكتوباً عليه أصحاب الجنة هم الفائزون, وشيعة علي هم المفلحون, ألا ومن أحب علياً مرّ على الصراط كالبرق الخاطف, ألا ومن أحب علياً لا يُنشر له ديوان ولا يُنصب له ميزان, وتُفتح له أبواب الجنة الثمان, ألا ومن أحب علياً ومات على حُبه صافحنه الملائكة وزارته أرواح الأنبياء, ألا ومن مات على حُب علي فأنا كفيله الجنة, ألا وإن لله باباً من دخل منه نجا من النار وهو حُب علي, ألا ومن أحب علياً أعطاه الله بكل عرق في جسده وشعرة في بدنه مدينة في الجنة, يا بن عمر, ألا وإن علياً سيد الوصيين وإمام المتقين, وخليفتي على الناس أجمعين, وأبو الغُر الميامين, طاعته طاعتي, ومعرفته هي معرفتي, يا بن عمر والذي بعثني بالحق نبياً لو كان أحدكم صف قدميه بين الركن والمقام يعبد الله ألف عام, ثم ألف عام صائماً نهاره قائماُ ليله, وكان له ملء الأرض مالاً فأنفقه, وعباد الله ملكاً فأعتقهم, وقُتل بعد هذا الخير الكثير شهيداً بين الصفا والمروة, ثم لقي الله يوم القيامة باغضاً لعلي لم يقبل الله له عدلاً ولا صرفاً وزُج بأعماله في النار وحُشر مع الخاسرين.
الأمر الثاني: أهداف الادعاء حول حداثة التشيع
لاشك أن كل ادعاء تختفي وراءه مقاصد سياسية وعنصرية ومذهبية ضيقة، فلماذا يدعي البعض من كون أن التشيع حديث في الوقت الذي لا تركض الشيعة وراء مثل هذا الادعاء فتقول أن التسنن حديث.
وللأسف ففي كثير من الأحيان وفي فترات متعددة تنطلق أصوات تتهم التشيع بشتى التهم لتعزل الشيعة عن مجتمعاتهم رغم أن الخلاف المذهبي قد حسم ومنذ فترة طويلة بحيث أدلى كل منهم بدلوه ولم تعد هناك خافية على المستوى العقائدي ونحن في تحليلاتنا لا نتهم إخواننا السنة بأي حال من الأحوال وراء هذه الحملات وإنما نتهم أصحاب الأهواء السياسية والمذهبية المتطرفة التي تدعو إلى شق وحدة صف المسلمين وإثارة النعرات الطائفية لتحقيق أغراضهم السياسية، وإننا لواثقون أن وحدة الأمة كفيلة لإفشال مخططات أعدائها.
للبدء في مناقشة هذه المشكلة فان علينا أن نحلل المراحل التاريخية لكل الفترات التي مرت ونسجل جملة من الأمور تقدم لنا صورة واضحة عن فريقين كانا ولازالا مختلفين حتى تتحقق دولة العصر بحكم الإمام المهدي المنتظر ليحسم الأمور ولتنتهي مرحلة الصراع الجدلي القائم حول الخلاف بين هاتين المدرستين ومختلف مستويات أنصارهما المعتدلة منها والمتطرفة.