أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها ؟ - أحمد حسين يعقوب ص 11 :
الباب الأول مكانة سنة الرسول في دين الإسلام
-----------------------------------------------
الفصل الأول : معنى سنة الرسول تعني سنة الرسول :
كل ما صدر عن الرسول بالذات من قول ، أو فعل أو تقرير ، إطلاقا . فأقوال الرسول هي السنة اللفظية أو القولية ، وتعرف بحديث النبي ، وأفعال الرسول هي سيرته أو سنته العملية ، وتشمل سنة الرسول أيضا تقريره ، ومعنى التقرير أن يرى الرسول عملا من مسلم أو أكثر ، فلا ينهى عنه ، فيكون سكوت الرسول بهذه الحالة إقرارا منه بصحة ذلك الفعل .
ولا خلاف بين اثنين من أتباع الملة حول مضمون وحدود هذا المعنى .
التلازم والتكامل بين القرآن الكريم وسنة الرسول التلازم والتكامل بين القرآن وسنة الرسول ثمرة طبيعة لحالتي التلازم والتكامل بين القرآن الكريم وبين الرسول بالذات ، فمن غير المتصور عقلا وشرعا بأن ينزل الله تعالى كتابا سماويا أو تعليمات إلهية إلا على رسول ، أو أن يرسل رسالة لبني البشر بدون رسول ، فالكتاب والرسول وجهان متكاملان لأمر واحد ، وإذا أردنا أن نلخص دين الإسلام تلخيصا دقيقا ، فلا نعدو القول بأنه يتكون من مقطعين رئيسيين :
أولهما كتاب الله المنزل ، وثانيهما نبي الله المرسل ، فلا غنى للكتاب عن النبي ، ولا غنى للنبي عن الكتاب ، فالكتاب لا يفهم فهما يقينيا بدون نبي ، والنبي لا برهان له ولا حجة إن لم يكن معه كتاب ضاق مضمونه أو اتسع .
ثم إن الإيمان والإسلام لا يتحققان إلا بالاثنين معا ، كتاب الله المنزل ، ونبيه المرسل ، فالإيمان
بأحدهما لا يغني عن الإيمان بالآخر ، وقد أخذ التكامل والتلازم بين كتاب الله المنزل ونبيه المرسل ، بعدا خاصا في دين الإسلام ، لأن رسول الإسلام هو خاتم النبيين ، فلا نبي بعده ، ولأن القرآن هو آخر الكتب السماوية ، وعلاوة على أن القرآن معجزة إلهية بيانية أساسها الكلمة الطيبة الصادقة ، فإنه هو الدستور الإلهي الذي شخص الأصول والمبادئ والمقدمات الأساسية للشريعة الإلهية النهائية التي ارتضاها الله تعالى للجنس البشري طوال عصور التكليف الممتدة من زمن خاتم النبيين حتى قيام الساعة ، لقد أجمل هذا القرآن كل ما يتغير ، وفصل ما لا يتغير ، وأشار إشارات إلى أحكام وفرائض وأخبار وضروريات ، ومصطلحات دون تفصيل ، وعهد الله إلى رسوله ببيانها وتفصيلها على ضوء توجيهات الوحي الإلهي ، فمصطلحات الصلاة مثلا وهي عماد الدين ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد ، ونظام الحكم . . . الخ كلها موجودة في القرآن الكريم ، ولكن دون تفصيل لأن بيانها وتفصيلها متروك لسنة الرسول .
ثم إن القرآن الكريم كمعجزة بيانية ذو وجوه متعددة ، تؤدي بالضرورة إلى تصورات وأفهام متعددة ، فتأتي سنة لتحدد الوجه والفهم الذي يتلاءم مع المقصود الإلهي .
إن المهمة الأساسية للرسول الأعظم ولسنته المطهرة منصبة بالدرجة الأولى والأخيرة على بيان ما أنزل الله بيانا قائما على الجزم واليقين لا على الفرض والتخمين ، لأن الرسول الأعظم معد ومؤهل إلهيا لهذه المهمة ، ومحاط بالعناية والتسديد الإلهي ، ومعصوم عن الوقوع بالزلل ، وهو قادر من خلال هذا التأهيل الإلهي أن يفهم المقصود الإلهي من كل آية من آيات القرآن ، ومن كل كلمة من كلماته وقد سهل هذا المهمة أن القرآن لم ينزل دفعة واحدة ، إنما نزل منجما ، وعلى مكث ، مما أتاح الفرصة أمام الرسول لينقل من خلال السنة المطهرة بفروعها الثلاثة نصوص القرآن الكريم من النظر إلى التطبيق ، ومن الكلمة إلى الحركة ، ومن خلال سنة الرسول تحقق التكامل والتلازم والإحكام بين كتاب الله المنزل ونبيه المرسل ، وتيقن المؤمنون
-
والعارفون باستحالة بيان القرآن بدون رسول ، واستحالة فهم دين الإسلام والالتزام به بدون الرسول وسنته ، فالرسول من خلال سنته بفروعها الثلاثة يؤدي مهمة البيان التي اختاره الله لتأديتها ، قال تعالى مخاطبا نبيه : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) ( 1 )
ومن خلال البيان النبوي المتمثل بسنة الرسول ، والالتزام بهذا البيان ينقطع دابر الخلاف والاختلاف في المجتمع البشري المؤمن ، قال تعالى مخاطبا رسوله : ( وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ( 2 ) فالرسول الأعظم هو المرجع البشري الأعلى في مجال بيان القرآن ، وفهم المقاصد الإلهية من كل كلمة من كلماته ، فسنة الرسول هي القول الفصل في كل أمر من الأمور المتعلقة بالقرآن الكريم ، وسنة الرسول هي ثمرة وحي وإلهام إلهي ، وهي من عند الله .
والفرق بين القرآن والسنة أن القرآن هو كلام الله المنزل على رسوله باللفظ والمعنى كقرآن ، بينما السنة هداية إلهية لغاية بيان القرآن للمكلفين ، فالرسول يتبع ما يوحى إليه وينفذ ما يؤمر به ، إنه عبد مأمور لله تعالى ، ومخصص لتبليغ دين الإسلام المكون من ركنين لا ثالث لهما كتاب الله المنزل ونبيه المرسل بذاته وبسنته القولية والفعلية والتقريرية ، والقرآن والنبي وسنته وجهان لأمر واحد ، ولا غنى لأحدهما عن الآخر ، ولا تتحقق الغاية الشرعية من أحدهما إلا بالآخر ، إن التلازم والتكامل بين القرآن وسنة الرسول إحكام إلهي اقتضته طبيعة الأمور وجوهرها .
ومن هنا يتبين لنا فساد مقولة أولئك الذين قالوا لرسول الله وهو على فراش المرض ، عندما أراد أن يكتب وصيته : ( حسبنا كتاب الله ) ، أي يكفينا كتاب الله ، ويغنينا عن الرسول وسنته ! ! ! لقد أيقن أعداء الله ورسوله بأن
( 1 ) سورة النحل ، الآية 44 .
( 2 ) سورة النحل ، الآية 64 . ( * )
دمار الإسلام وتفريغه من مضامينه الخالدة مستحيل ما دام التلازم والتكامل والإحكام موجودا ما بين كتاب الله وسنة رسوله ، ولا يتحقق هذا الدمار إلا بدمار سنة الرسول ، أو تحييدها ، أو إبعادها عن مسرح التأثير على الأحداث ، أو بفك الارتباط المتين بين كتاب الله المنزل ونبيه المرسل .
وهذا هو المنطلق الذي انطلقوا منه يوم قالوا لرسول الله لا حاجة لنا بكتابك ولا بوصيتك : ( حسبنا كتاب الله ) وهذا هو السر بمنعهم لرواية وكتابة سنة الرسول ، وجعل شعار ( حسبنا كتاب الله ) محور الثقافة التاريخية