الولادة والنشأة :
هو محمّد بن الحسن بن عليّ.. ينتهي نسبه إلى الحرّ بن يزيد الرياحي المستشهَد بين يدَي سيّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السّلام) يوم طفّ عاشوراء.
فهو إذن وريث الشرف والعزّ، وحفيد أسرة جُلّهم من العلماء والأدباء، ومن سلالة المجد والكرامة والفضائل والمعالي.
كان مولده في قرية (مَشْغَرى) ليلة الجمعة ثامن رجب سنة 1033 هـ. ومَشْغرى قرية من قرى لبنان من ناحية البقاع.
دراسته:
قرأ بمشغرى على أبيه وعمّه وجدّه لأمّه وخال أبيه وغيرهم. وهو يروي بالإجازة عن الشيخ المجلسيّ وعن السيّد نعمة الله الجزائريّ وغيرهما؛ إذ كان ممّن يُوثَق به ويروي عن الثقات المعروفين.
مكانته العلميّة:
نترك تقييمها لأهل الخبرة من العلماء:
قال عليّ بن ميرزا أحمد: تصانيفه في جبهات الأيّام غُرَر، وكلماته في عُقود السُّطور دُرَر.. يُحيي بفضلِه مآثرَ أسلافِه، ويُنشئ مُصطبِحاً ومُغتَبِقاً برحيق الأدب وسُلافه، وله شعر مُستعذَب الجَنا، بديع المُجتلى والمُجتنى.
وذكره الأردبيليّ فوصفه: بأنه محقّق مدقّق، عالم فاضل متبحّر في العلوم، جليل القدر رفيع المنزلة.
فيما وصفه خير الدين الزركليّ بأنه: فقيه إماميّ مؤرّخ.
بينما أجزل الشيخ عبّاس القمّي في الثناء عليه فقال: شيخ المحدّثين، العالم الفقيه النبيه، الورع الثقة الجليل، صاحب المصنّفات المفيدة.
وهذه الكلمات مؤشّر واضح على وثاقة الشيخ الحرّ العامليّ وجلالة قدره. وإذا كان تقييم العلماء ذوي الاختصاص مقياساً لمعرفة المكانة العلميّة للعالم، فالمؤلّفات التي دوّنها قلمه هي مقياس آخَر.
مؤلّفاته:
كتب الشيخ الحرّ العامليّ أنّ له كتباً- طُبع أكثرها - منها:
1- الجواهر السَّنيّة في الأحاديث القدسيّة.
2- الصحيفة الثانية من أدعية الإمام السجّاد (عليه السّلام) ـ غير الصحيفة الكاملة.
3- تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ـ طبع في 30 مجلّداً.
4- هداية الأُمّة إلى أحكام الأئمّة (عليهم السّلام) ـ في ثماني مجلّدات.
5- الفوائد الطوسيّة.
6- إثبات الهُداة بالنصوص والمعجزات ـ في ستّ مجلّدات.
7- أمل الآمل في علماء جبل عامل.
8- الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة.
9- الفصول المهمّة في أُصول الأئمّة (عليهم السّلام).
10- العربيّة العلويّة واللغة المرويّة.
هذا، إضافة إلى العديد من الرسائل العلميّة، منها: رسالة في خَلق الكافر، ورسالة الجمعة، ورسالة في حُكم الإجماع، ورسالة في تواتر القرآن، ورسالة في أحوال الصحابة، ورسالة الرجال، ورسالة في تنزيه المعصوم عن السهو والنسيان، ورسالة في الواجبات والمحرّمات المنصوصة سمّاها ( بداية الهداية)، ورسالة في الوصيّة للولد.
الحرّ العامليّ شاعراً:
فضلاً عن فقاهته وروايته للحديث وتبحّره في كثير من المعارف والعلوم.. كان الشيخ الحرّ العامليّ شاعراً مُجيداً، ذكر هو بنفسه أنّ له ديواناً كبيراً حوى عشرين ألف بيت، وضمّ منظومات عديدة في التاريخ والمواريث والزكاة والهندسة، إضافة إلى قصائده الكثيرة في مدح رسول الله وآله صلوات الله عليه وعليهم في أشعار فاخرة، و هذا مقطع من شعره:
بك أرجـو كشــفَ الشدائــدِ عنّــي***وزوالَ البأســـــاءِ والضــــــــرّاءِ
بنبـــيٍّ فـــــاقَ الخلائـــقَ فضــــلاً***وعـــليٍّ ووُلْــــــــدهِ الأوصيــــــاءِ
مَفزعِ الناسِ، مَرجعِ الخَلـق طُرّاً***مَنبعِ الفــضــلِ، مَجمـــعِ العليـــاءِ
بَحر علمٍ، وطـــود حــلـــمٍ رَزينٍ،***معدنِ الجــــــود، منهـــلٍ للظِّمـــاءِ
أسفاره:
ذكر الشيخ الحرّ العامليّ أنّه أقام في قريته (مَشغرى) أو (مَشغره) بلاد في الشام أربعين سنة، حجّ خلالها مرّتين. ثمّ سافر إلى العراق فزار هناك مراقد أئمّة الهدى (عليهم السّلام)، بعد ذلك رحل إلى خراسان فزار مرقد الإمام عليّ بن موسى الرضا سلام الله عليه بطوس.
وكان قد زار مدينة إصفهان في تلك الفترة، والتقى هناك بالعلاّمة الشيخ محمّد باقر المجلسيّ صاحب (بحار الأنوار)، وأخذ منه إجازة الرواية وأعطاه مِثلها.
وصرّح الشيخ الحرّ في خاتمة (أمل الآمل) أنّ وروده المشهد الرضويّ الشريف كان سنة 1073 هـ، فتكون إقامته فيه أكثر من ثلاثين سنة.
وفاته:
توطّن الشيخ الحرّ العامليّ في المشهد الرضويّ المقدَّس، ومُنح منصب (شيخ الإسلام) ومنصب القضاء، وصار من أعاظم علماء خراسان، إلى أن تُوفّي في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة 1104هجريّة عن إحدى وسبعين سنة. ودفن إلى جوار الإمام الرضا (عليه السلام) يزوره الآلاف من زوار الإمام (عليه السلام) في مدينة مشهد المقدسة.