ام المؤمنين
عدد المساهمات : 6 نقاط : 55558 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/09/2009
| موضوع: زيد بن ثابت... وفضائله الجمعة سبتمبر 11, 2009 12:00 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وبعد ... فإن المطالع للتأريخ الاسلامي ، ولكتب التراث بصورة عامة يجد الكثير الامور ، التي أصبح لها من الشيوع والذيوع ، بحيث تبدو من الحقائق الثابتة التي لا تقبل الجدل ، ولا يجوز أن تخضع للمناقشة . وأصبح الكتاب والمؤلفون ، يرسلونها إرسال المسلمات ويوردونها مستدلين بها ، على ما يرونها قادرة على إثباته ، أو الدلالة عليه . مع أن نفس هذه القضايا لو أخضعها الباحثون للبحث ، وللتحقيق والتمحيص ، لخرجوا بحقيقة : أنها من الامور الزائفة والمجعولة ، التي صنعتها الاهواء السياسية ، والتعصبات المذهبية ، أو العرقية ، أو غيرها . أو على الاقل لوجدوا الكثير مما يوجب الشك والريب فيها ، ومن ثم ضعفها ، ووهنها أو لوقفوا على كثير من موارد التحريف والتلاعب فيها وقد يجوز لنا القول: ان ما يروى ، من ان النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قد أمر زيد بن ثابت بتعلم اللغة العبرانية أو السريانية ، يصلح مثالاً لهذا الامر ، ولاجل ذلك فقد رأينا المناسب أن نشير إلى بعض ما تلزم الاشارة إليه في هذه القضية وغيرها تاركين الحكم في ذلك نفياً ، أو إثباتاً ، إلى القاريء الكريم ، الذي يملك كامل الحرية في أن يقبل ، أو أن يرد ، إذا اقتضى الامر أياً من الرد ، أو القبول .
روايات تعلم زيد العبرانية أو السريانية : تؤرخ بعض المصادر : إنه في سنة الرابعة للهجرة أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ زيد بن ثابت بتعلم السريانية أو العبرانية ، معللاً ذلك : بأنه لا يأمن اليهود على كتابه (1) ؛ فقد روى الترمذي ، عن زيد بن ثابت ، قال: أمرني رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أن أتعلم كتاب يهود ، قال : ما آمن يهود على كتاب ، قال : فما مر بي نصف شهر ، حتى تعلمته له . قال : فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم ، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح (2) . وفي نص آخر : لما قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ المدينة ، قال لي: تعلم كتاب اليهود ؛ فإني والله ما آمن اليهود على كتابي ، قال : في فتعلمته في اقل من نصف شهر (3) . قال الترمذي : وقد روي من غير هذا الوجه ، عن زيد بن ثابت ، قال : أمرني رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أن أتعلم السريانية (4). وفي نص آخر : عن زيد بن ثابت ، قال: قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ إنه يأتيني كتب من ناس لا احب أن يقرأها أحد . فهل تستطيع أن تعلم كتاب العبرانية ، أو قال: السريانية ؟ فقلت : نعم . قال : فتعلمتها في سبع عشرة ليلة (5). ومثله وفي نص آخر ، عن زيد بن ثابت ، لكنه جزم بأنه أمره بتعلم السريانية ولم يردد في ذلك (6). وفي رواية اخرى : عن زيد بن ثابت أيضا قال: اتي بي النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ مقدمه المدينة فعجب بي ، فقيل له: هذا الغلام من بني النجار ، قد قرأ مما انزل عليك بضع عشرة سورة ، فاستقرأني ، فقرأت (ق) فقال لي : تعلم كتاب يهود ، فإني ما آمن يهود على كتابي ، فتعلمته في نصف شهر (7) إلى آخر ما تقدم في الرواية الاولى . وعن عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، قال : كان زيد بن ثابت يتعلم في مدارس ماسكة ، كتابهم في خمس عشرة ليلة ، حتى كان يعلم ما حرفوا وبدلوا (8) . وقال الكتاني « قلت في بهجة المحافل لابن عبدالبر: إنه تعلمها في ثمانية عشر يوما » (9) . وقالوا عن زيد بن ثابت: « وكان يكتب بالعربية والعبرانية » (10) ، أو « السريانية » (11). وقال ابن الاثير الجزري: « كانت ترد على النبي صلى الله عليه وآله كتب بالسريانية ، فأمر زيدا ، فتعلمها » (12). وقال الذهبي: « قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وزيد صبي ذكي نجيب ، عمره إحدى عشرة سنة ، فأسلم ، وأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن يتعلم خط اليهود ، فجود الكتابة ، إلى آخره ... » (13) .
المناقشة: وبعد ... فإن لنا على تلكم الرويات ملاحظات عدة ، توجب لنا الشك والريب في سلامتها وصحتها ، ونذكر من هذه الملاحظات مايلي: أ: إننا نجدها مختلفة فيما بينها ، وبصورة واضحة ، الامر الذي يشير إلى أنه لا يمكن أن تصح جميعها ، فواحدة تقول : إنه أمره بتعلم السريانية ، واخرى العبرانية ، بل لقد وقع الترديد بينهما حتى في الرواية الواحدة . ورواية تذكر : إنه قد تعلمها في أقل من نصف شهر ، واخرى: إنه تعلمها في خمسة عشر يوماً ، وثالثة: في سبعة عشر يوماً ، ورابعة : في ثمانية عشر يوماً. ورواية تقول: إنه أمره بتعلمها لانه لا يأمن يهود على كتابه ، واخرى تقول: إنه أمره بذلك ، لانه تأتيه كتب لا يحب أن يطلع عليها كل أحد . ورواية تقول : إنه قد أمره بذلك حين مقدمه المدينة ... بينما اخرى تذكر: إنه إنما أمره بذلك في السنة الرابعة ، وتعلمها حينئذ . هذا كله ... مع أن الراوي لذلك كله رجل واحد ، وهو المصدر الوحيد لما قاله ويقوله الكتاب والمؤرخون على الظاهر ، في هذا المجال. ب: إننا نلاحظ: أن الرواي لهذه القضية هو خصوص زيد بن ثابت بطل القصة نفسه ، ولم نجد هم نقلوا ذلك عن غيره ، رغم أهمية هذا الامر وكونه ملفتاً للنظر ، ورغم أننا نجدهم يسجلون لنا حتى أبسط الحركات التي تصدر عن النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم . وواضح : أن هذه القضية ترمي إلى إثبات فضيلة لنفس ناقلها ، فليلاحظ ذلك . ج: إننا ـ رغم تفحصنا ـ لم نعثر ولو على نص واحد ، لرسالة واحدة أرسلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أو وصلت إليه من غيره تكون مكتوبة بغير العربية . كما أننا لم نجد حتى ولو إشارة واحدة إلى أية رسالة قيل إنها قد ترجمت له ـ صلى الله عليه وآله ـ وصلت إليه من أحد أو أرسلها إلى أحد ، من أي لغة اخرى إلى اللغة العربية ، أو بالعكس . بل قد وجد عدد من الرسائل المنسوبة إليه صلى الله عليه وآله وسلم في بعض المتاحف والمكتبات الخاصة ؛ كان قد أرسلها ، إلى كسرى ، وإلى النجاشي ، وإلى المقوقس . ويميل العلماء والمحققون إلى الجزم بأنها هي بعينها ، التي كان صلى الله عليه وآله وسلم قد أرسلها إليهم . نعم ، لقد وجدت هذه الرسائل وكانت كلها مكتوبة باللغة العربية خاصة ، وبالخط العربي ، فراجع مجموعة الوثائق السياسية للبروفيسور حميد الله لتطلع على صور هذه الرسائل ، وراجع أيضا مكاتيب الرسول للعلامة البحاثة الشيخ علي الاحمدي الميانجي ... وغيرهما من الكتب والمصادر ، ومما يدل على ذلك: إن الرواية تنص على أن قيصر قد طلب ترجمانا ليقرأ له كتاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ (14) . نعم ، هناك رسالة واحدة مكتوبة باللغة العبرية ، حكم العلماء والباحثون عليها ـ بصورة قاطعة ـ بالوضع والاختلاف فراجع الكتابين آنفي الذكر. فأين ذهبت تلكم الرسائل التي كتبها زيد بن ثابت باللغة العبرية أو السريانية ، أو ترجمها منها إلى العربية ؟ ! ولماذا لم يشر التاريخ ، ولو إلى واحدة منها ؟ إن ذلك لعجيب حقا ؟ ! وأي عجيب ! ! ! د: والاعجب من ذلك ان بعض المصادر تذكر: إن زيد بن ثابت كان من أكثر كتاب النبي صلى الله عليه وآله كتابة له (15) ويذكرون ايضا: إنه كان مختصا بالكتابة إلى الملوك (16) وإنه كان يكتب له صلى الله عله وآله إذا كتب إلى اليهود ، ويقرأ له كتبهم فإذا كان كذلك فما بالنا نجد اسم كثير من الكتاب في أسفل الكتب التي كتبوها ، فيقول في آخر الكتاب: وكتب فلان ، أو : وكتب فلان وشهد ، أو نحو ذلك ـ وهي طائفة كثيرة ـ ولانجد اسما لزيد بن ثابت في أي من الكتب التي وصلتنا ، إلا على صفة الشاهد على بعض الكتب النادرة جدا ؟ ! نعم ، إننا لم نجد له اسما لا على الكتب إلى الملوك ، ولا على الكتب إلى اليهود ، مع وجود أسماء كثيرين من الكتاب الاخرين على طائفة كبيرة منها . بل ، لقد وجدنا أسماء آخرين كانوا قد كتبوا إلى الملوك ، وإلى اليهود أيضا فليلاحظ: كتاب مفاداة سلمان بن عثمان بن الاشهل اليهودي القرظي فقد كتبه أمير المؤمنين علي عليه السلام . كتابه ـ صلى الله عليه وآله ـ إلى جيفر ، وعبد ، ابني الجلندي ، وهما من الملوك ، وهو بخط ابي بن كعب . وكتابه إلى المنذر بن ساوى ، وهو من ملوك البحرين ، بخط ابي . ومعاهدة يهود مقنا ، هي أيضا بخط أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام . وكتابه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ليهود بني عادياً من تيماء ، كتبه خالد بن سعيد . وكذا كتابه ليهود بني عريض ، كتبه خالد بن سعيد أيضا . ويقال: إن معاوية أيضا قد كتب إلى المهاجرين ، إلى امية وربيعة بن ذي الرحب من حضر موت (17) . كما ان كتابه ـ صلى الله عليه وآله ـ الذي اجاب به النجاشي الاول ، قد كتبه أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه الصلاة والسلام (18) . ولعل المتتبع يجد أمثلة كثيرة سوى ما تقدم ، فأين كان زيد بن ثابت عن ذلك ، وعن سواه يا ترى ؟ ! هـ: إننا نجد أن بعض الرويات المتقدمة تقول: إن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قد علل طلبه من زيد تعلم لغة العبرانية. أو السريانية ، بأنه تأتيه كتب ، ولا يحب أن يطلع عليها كل أحد ، فاحتاج إلى أن يأمر زيداً بذلك ، مع أنه قد كان آخرون غير زيد بن ثابت يعرفون العبرانية أو السريانية وفيهم من هو من فضلاء الصحابة وثقاتهم ، ومن مثل سلمان الفارسي ! الذي هو من أهل البيت ، فإنه كان قد قرأ الكتابين (19) ، فلماذا لايعطيه النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ كتبه التي لا يحب أن يطلع عليها كل أحد ، ليقرأها له ، فإنه لاريب في أمانته ودينه ، وكونه عبدا لذلك القرظي لا يمنعه من ذلك ، كما لم يمنعه من حضور حرب بدر واحد. أضف إلى ذلك: أنه قد تحرر قبل الخندق ، وهي في الرابعة كما هو الظاهر أو في الخامسة على أبعد تقدير ـ كما تحدثنا عن ذلك في كتابنا « حديث الافك » ـ. وقد تقدم أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قد أمر زيداً بتعلم تلك اللغة في السنة الرابعة . كما أنهم يقولون: إن عبدالله بن عمرو بن العاص ، كان يقرأ بالسريانية (20) . ويقول الدكتورجواد علي : « منهم مثل زيد بن ثابت من كتب له وبالعربية ، وبالعبرانية ، أو السريانية ، وذكر أن بعضهم كان مثل زيد بن ثابت يكتب بغير العربية أيضاً » (21) . فلماذا ذكر اسم زيد بن ثابت ولم تذكر أسماء اولئك ، وقد ذكروا : إن حنظلة بن الربيع كان يقوم مقام جميع كتابه بما فيهم زيد بن ثابت، إذا غاب أحد منهم (22) ، الامر الذي يشعر بأنه كان أيضا يحسن الكتابة بغير العربية ، كزيد . كما أنه يدل على أنه كان ينوب عن زيد في الكتابة إلى اليهود ، وإلى الملوك (23) . فإذا كان كذلك ، فلماذا لم يعتمد النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ على حنظلة ، أو على غيره ممن أشار إليهم الدكتور جواد علي ، فإن الحاجة ترتفع بهم ، ولايبقي ـ صلى الله عليه وآله ـ بحاجة إلى اليهود (الذين كانوا غير مأمونين) لافي الترجمة ، ولافي الكتابة . ويلاحظ هنا: أنهم لم يبخلوا على زيد في هذا المجال ، ويكفي أن نذكر: إنهم جعلوه عالما ، ليس فقط بالعربية قراءةً وكتابةً ، وكذلك بالعبرانية ، أو السريانية ، وإنما أضافوا إلى ذلك: إنه كان يترجم للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بالفارسية والرومية ، والقبطية والحبشية (24) . وإنه قد تعلم الفارسية من رسول كسرى ، والرومية من حاجب النبي ، الحبشية من خادم النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ والقبطية من خادم النبي وخادمته ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ (25) . ولاندري لماذا لم يتعلم الفارسية من سلمان ، والرومية من صهيب والحبشية من بلال ، فإن كلا منهم كان يجيد هذه اللغات بما لامزيد عليه ؟ ! . كما لاندري لماذا لم نجد اية إشارة لكتاب مترجم من هذه اللغات إلى العربية أو من العربية إليها ، أو غير ذلك ، مما يحتاج إلى الترجمة ؟ ! . و: وأخيرا ، فلاندري ما حاجة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ إلى الترجمة ، مع أن جمعا من المحقيقن قد أثبتوا: إن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ كان يعرف جميع اللغات ، فلا يحتاج إلى مترجم ولا إلى غيره ، وقد كلم سلمان بالفارسية وتكلم بغيرها من اللغات أيضا (26) . ز: وأما قوله في الرواية أمره ـ صلى الله عليه وآله ـ بذلك حين قدومه المدينة ، ثم روايتهم: إنه كان يكتب في الجاهلية (27) ، فينافيه قولهم: إنه تعلم الكتابة من أسرى بدر (28) .
ملاحظتان: الاولى: قال العلامة المحقق الشيخ علي الاحمدي المينانجي ، بعد أن تكلم حول معرفته ـ صلى الله عليه وآله ـ باللغات ، عربيها ، وعجميها ، وأيد ذلك بنقل المؤرخين والمحدثين أنه ـ صلى الله عليه وآله ـ كان يتكلم مع كل قوم بلسانهم ، قال حفظه الله: « ولكنه ـ صلى الله عليه وآله ـ كتب إلى ملوك العجم كقيصر ، وكسرى ، والنجاشي بلغة العرب ، مع أن الجدير أن يكتب إلى كل قوم بلسانهم ؛ إظهارا للمعجزة ، واستحداثاً للالفة ، فما الوجه في ذلك ؟ ! وأي فائدة في الكتابة بالعربية ؟ وأي وازع في الترقيم بالعجمية ؟ ! . والذي يقضي به التدبر ، وينتهي إليه الفكر: أن الفائدة في ذلك هو حفظ شؤون الملة الاسلامية ، وصونا لجانب الاستقلال والعظمة ، الاترى أن الامم الراقية المتمدنة يسعون في انتشار لسانهم في العالم ، حتى تصير لغتهم لغة عالمية ، إعمالاً للسيادة ، وتثبيتاً للعظمة فكأنه ـ صلى الله عليه وآله ـ يلاحظ جانب الاسلام وأنه يعلو ولايعلى عليه ، وأن لغة القرآن لابد وأن تنتشر ، وتعم العالم ، لان القرآن كتاب للعالم ، فعظمة القرآن ، وعموم دعوته ، وعظمة النبي الاقدس ، ورسالته العالمية ، تقضي أن يكتب إليهم بلغة القرآن . فعلى ملوك العالم والعالم البشري أن يتعلموا لسانه المقدس . ولغته السامية ، لغة القرآن المجيد، تثبيتا لهذا المرمى العظيم، والغرض العالي » (29) . الثانية: وبعد ، فإننا لاننكر أن يكون زيد بن ثابت قد تعلم شيئا من العبرانية أو السرانية ، قليلا كان ذلك أو كثيرا . ولكننا نشك في أن يكون النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ هو الذي طلب منه ذلك ، ونشك كذلك في أن يكون قد كتب له ـ صلى الله عليه وآله ـ بهذه اللغات ، أو ترجم له شيئا من الكتب التي أتته ، فإن الروايات المتقدمة لاتكفي لاثبات ذلك على الاطلاق . بل قدمنا ما يوجب ضعفها ووهنها ولابد لاثبات ذلك من اعتماد أدلة اخرى ، وشواهد اخرى ، لانراها متوفرة فيما بأيدينا ، من نصوص ومصادر ، بل إن ما بأيدينا يؤيد إن لم يكن يدل على خلاف ذلك ، كما المحنا إليه .
علم زيد بالفرائض: وقد روي أن عمر وعثمان ما كانا يقدمان على زيد في الفرائض أحدا . وقد خطب عمر الناس ، فكان مما قال: « ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت » (30) . وادعوا : أنه كان أعلم أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ بالفرائض أي فرائض الارث » (31) . ولكننا نقول: إننا نجد في مقابل ذلك: 1 ـ مسروقا يدعي ـ وإن كنا نعتقد أن ذلك لدوافع سياسية ـ فيقول عن عائشة: إنه رأى: « أكابر أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يسألونها عن الفرائض » (32) . 2 ـ إن أئمة أهل البيت عليهم السلام قدر رفضوا دعوى أعلمية زيد بالفرائض ، فقد روي عن الامام الباقر عليه السلام ، قال: الحكم حكمان : حكم الله ، وحكم الجاهلية ، وأشهد على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية (33). 3 ـ وقد ألف سعد بن عبدالله القمي كتاب: إحتجاج الشيعة على زيد بن ثابت في الفرائض (34) ، وقد ذكر ابن شاذان في الايضاح طائفة من مسائل الارث لم يوفق زيد للصواب فيها ، فليراجعه من أراده . 4 ـ عن سعيد بن وهب ، قال: قال عبد الله: أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب (35) . ملاحظة : بالنسبة لشهادة الامام الباقر عليه السلام بأن زيد بن ثابت قد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية .. فلعله لان زيد بن ثابت كان يفتي برأيه ، حسب اعترافه فيما سيأتي (36) ، ولعل عامة ما كان يفتي به كان خطأ ، على حد قوله ، كذلك وجود بعض الرواسب في نفسه وفي فكره ـ وكون دين الله لايصاب بالعقول ـ لعل كل ذلك ـ هو السبب في أن زيد قد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية . وقد جرت بين زيد وبين أمير المؤمنين بعض المساجلات في مجال الفرائض لم يستطع زيد أن يقدم الجواب الكافي في مقابل ما بينه أمير المؤمنين في تلك المسائلة (37) ، ربما اريد: أن يعوض عن فشله ذاك بمنحه أوسمة الجدارة مضادة لعلي عليه السلام وتنكراً له
أبو عمر .. والراية لزيد في تبوك : قال ابو عمر: « وكانت راية بني مالك بن النجار في تبوك مع عمارة بن حزم ، فأخذها رسول الله ، ـ صلى الله عليه وآله ـ ودفعها إلى زيد بن ثابت ؛ فقال عمارة : يارسول الله ، أبلغك عني شي ؟ ! قال: لا ، ولكن القرآن مقدم ، وزيد أكثر منك أخذاً للقرآن .. . وهذا عندي خبر لايصح ، والله أعلم » (38) .
مناقشة حول جمع زيد للقرآن في عهد النبي صلى الله عليه وآله: وقال ابن قتيبة: وكان أخر عرض رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ القرآن على مصحفه (39) ، أي على مصحف زيد . وقال أبو عمر: « وأما حديث أنس: أن زيد بن ثابت أحد الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يعني: من الانصار (40) ؛ فصحيح وقد عارضه قوم بحديث ابن شهاب ، عن عبيد بن السباق ، عن زيد بن ثابت: ان أبا بكر أمره في حين مقتل القراء باليمامة بجمع القرآن ، قال: فجعلت أجمع القرآن من العسب ، والرقاع ، وصدور الرجال ، حتى وجدت آخر آية من التوبة مع رجل يقال له خزيمة أو أبو خزيمة .(41) قالوا : فلو كان زيد قد جمع القرآن على عهد رسول الله لاملاه من صدره وما احتاج إلى ما ذكر . قالوا: اما خبر جمع عثمان للمصحف فإنما جمعه من الصحف التي كانت عند حفصة ، من جمع أبي بكر » انتهى كلام أبي عمر (42) . ونزيد نحن هنا: أن محمد بن كعب القرظي قد عد الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ولم يذكرزيد بن ثابت فيهم (43) . كما أن المعتزلي يقول: « إن عليا عليه السلام بعد وفاة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ لزم بيته ، وأقبل على القرآن ، ولم يكن غيره يحفظه ، ثم هو أول من جمعه » (44). وعن ابن المنادي أنه عليه السلام: « جلس في بيته ثلاثة أيام حتى جمع القرآن ، فهو أول مصحف جمع فيه القرآن من قلبه » (45) . وعن الامام الباقر عليه السلام: « ما ادعى أحد من الناس: أنه جمع القرآن كله كما انزل إلا كذاب ، وما جمعه ، وحفظه كما انزل ، إلا علي بن أبي طالب والائمة بعده » (46) . فإن كل ذلك وسواه مما لم نذكره يلقي ظلالا ثقيلة من الشك حول هذه الفضيلة التي تنسب لزيد بن ثابت . ولكن حديث جمعة للقرآن في عهد أبي بكر أو عمرمن العسب والرقاع ومن صدور الرجال ، فهو أيضا لايصح ، ولكن البحث حول ذلك له مجال آخر ولابأس بمراجعة: « اكذوبة تحريف القرآن » للاطلاع على بعض القول في ذلك .
الفضائل .. . والسياسية: وبعد ، فإننا قد تعودنا من المخالفين لاهل البيت عليهم السلام ، ابتداءاً من الامويين ثم العباسيين ، محاولاتهم الدائبة للحط من علي عليه السلام ، وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم والتستر على فضائله ومزاياه ، وإظهار العيب له .. وقد قال المغيرة بن شعبة لصعصعة : « واياك أن يبلغني عنك: أنك تظهر شيئاً من فضل علي ، فانا اعلم بذلك منك ، ولكن هذا السلطان قد ظهر وقد أخدنا باظهار عيبه للناس » (47) والنصوص الدالة على هذه السياسية كثيرة جدا ، بل هي فوق حد الحصاء . ومن جهة اخرى فإنهم يعملون وعلى إظهار التعظيم الشديد ، لكل من كان على رأيهم ، ويذهب مذهبهم ويصنعون لهم الفضائل ويختلقون لهم الكرامات ، وذلك أمر مشهود ، وواضح وقد أشرنا إليه غير مرة . والمراجع لحياة زيد بن ثابت ، ولمواقفه السياسية يجد: أنه كان منحرفا عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام . كما ويجد أنه ممن تهتم السلطة برفع شأنهم ، وإثبات الفضائل والكرامات لهم .
الخط السياسي لزيد بن ثابت: إن الذي يراجع حياة زيد بن ثابت ومواقفه ، يجد: أنه كان عثمانياً ، منحرفاً عن أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام . و « كان عثمان يحب زيد بن ثابت » (48). و « كان زيد عثمانيا ، ولم يشهد مع علي شيئا من حروبه » (49) . « والذين نصروا عثمان كانوا أربعة ، كان زيد بن ثابت أحدهم » (50) . وكان على قضاء عثمان (51) ، وعلى بيت المال والديوان له (52) . وكان عثمان يستخلفه على المدينة (53) . وكان يذب عن عثمان ، حتى رجع لقوله جماعة من الانصار (54). وقد قال للانصار: إنكم نصرتم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فكنتم أنصار الله ، فانصروا خليف تكونوا أنصاراً لله مرتين ، فقال الحجاج بن غزية: والله إن تدري هذه البقرة الصيحاء ما تقول ، إلى آخره .. وفي نص آخر : إن سهل بن حنيف إجابه ؛ فقال: يازيد ، أشبعك عثمان من عضدان المدينة ؟ ! ـ والعضيدة : نخلة قصيرة ، ينال حملها ـ (55) وكان بنو عمرو بن عوف قد أجلبوا على عثمان ، وكان زيد يذب عنه ، فقال له قائل منهم: وما يمنعك ؟ ! ما أقل والله من الخزرخ من له من عضدان العجوة مالك ! فقال زيد: اشتريت بمالي وقطع لي إمامي عمر ، وقطع لي إمامي عثمان . فقال له ذلك الرجل : أعطاك عمر عشرين ألف دينار ؟ قال: لا ، ولكن كان عمر يستخلفني على المدينة ، فوالله ، ما رجع من مغيب قط إلا قطع لي حديقة من نخل (56). وإستخلاف عمر له في أسفاره معروف ومشهور (57) . هذا .. . وقد أعطاه عثمان يوماً مائة ألف مرة واحدة (58) . وقد بلغ من ثراء زيد أن خلف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الاموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار (59) وكان محل العناية التامة منقبل عمر ، فعدا عن استخلافه له في كل سفر يسافره وإقطاعه الحدائق ، فإنه كان كاتب عمر (60) ، وكان على قضائه وفرض له رزفا (61) . ويكفي أن نذكر هنا عبارة ابن سعد ، وابن عساكر ، وهي: « كان عمر ـ يستخلف زيداً في في كل سفر ، وقل سفر يسافره ولم يستخلفه ، وكان يفرق الناس في البلدان وينهاهم أن يفتوا برأيهم ، ويحبس زيداً عنده ـ إلى أن قال: وكان عمر يقول: أهل البلد ـ يعني المدينة ـ محتاجون إليه ، فيما يجدون إليه ، وفيما يحدث لهم مما لا يجدونه عند غيره (62) . « وما كان عمر وعثمان يقدمان على زيد أحدا ، في القضاء والفتوي ، والفرائض والقراءة » (63) . ثم كان عبدالملك بن مروان من الذين يقولون بقول زيد (64) . أما أبوه مروان ، فكان قد بلغ من اهتمامه بزيد : أن دعاه ، وأجلس له قوماً خلف ستر ، فأخذ يسأله ، وهم يكتبون ، ففطن لهم زيد ، فقال : يا مروان اعذر ، إنما أقول برأيي (65) . وأتاه اناس يسألونه ، وجعلوا يكتبون كل شيء قاله ، فلما أطلعوه على ذلك قال لهم: « لعل كل الذي قلته لكم خطأ ، إنما قلت لكم بجهد رأي » (66) . ومع أنه يعترف بأنه إنما يفتي لهم برأيه ، فقد بلغ من عمل الناس بفتواه المدعومة من قبل الحكام : أن سعيد بن المسيب يقول: « لا أعلم له قولاً لا يعمل به ، فهو مجمع عليه في المشرق والمغرب » (67) . فانظر ماذا ترى ! ؟ وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين .
| |
|