روى عبد الله بن الحسن باسناده عن آبائه ، أنه لما أجمع
أبوبكر وعمر على منع فاطمة عليها السلام فدكا و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها و
اشتملت بجلبابها وأقبلت في لمةٍ من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها
مشية رسول الله ( ص ) حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين
والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة فجلست ثم أنَت أنَةً أجهش القوم لها بالبكاء
فأرتج المجلس ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم .
افتتحت الكلام بحمد الله و
الثناء عليه والصلاة على رسوله فعاد القوم في بكائهم فلما أمسكوا عادت في كلامها
فقالت عليها السلام :
الحمد لله على ما
أنعم وله الشكر على ما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعم ابتداها وسبوغ آلاء أسداها
وتمام منن أولاها جم عن الإحصاء عددها ونأى عن الجزاء أمدها وتفاوت عن
الإدراك أبدها
وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها وثنى بالندب إلى
أمثالها وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة جعل الإخلاص تأويلها
وضمن
القلوب موصولها
وأنار في التفكر معقولها الممتنع من الأبصار رؤيته ومن الألسن صفته ومن الأوهام
كيفيته ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها
كونها
بقدرته وذرأها
بمشيته من غير حاجة منه إلى تكوينها ولا فائدة له في تصويرها إلا تثبيتا لحكمته
وتنبيها على طاعته وإظهارا لقدرته تعبدا لبريته وإعزازا لدعوته ثم جعل الثواب
على
طاعته ووضع العقاب
على معصيته ذيادة لعباده من نقمته وحياشة لهم إلى جنته وأشهد أن أبي محمدا عبده
ورسوله اختاره قبل أن أرسله وسماه قبل أن اجتباه واصطفاه قبل أن ابتعثه
إذ
الخلائق بالغيب
مكنونة وبستر الأهاويل مصونة وبنهاية العدم مقرونة علما من الله تعالى بمآيل الأمور
وإحاطة بحوادث الدهور ومعرفة بمواقع الأمور ابتعثه الله إتماما لأمره وعزيمة
على
إمضاء حكمه وإنفاذا
لمقادير رحمته فرأى الأمم فرقا في أديانها عكفا على نيرانها عابدة لأوثانها منكرة
لله مع عرفانها فأنار الله بأبي محمد ص ظلمها وكشف عن القلوب بهمها وجلى
عن الأبصار غممها
وقام في الناس بالهداية فأنقذهم من الغواية وبصرهم من العماية وهداهم إلى الدين
القويم ودعاهم إلى الطريق المستقيم ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار
ورغبة
وإيثار فمحمد
( ص ) من تعب هذه الدار في راحة قد حف بالملائكة الأبرار
ورضوان الرب الغفار ومجاورة الملك الجبار صلى الله على أبي نبيه وأمينه وخيرته من
الخلق وصفيه والسلام عليه ورحمة الله وبركاته
ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت : أنتم عباد الله نصب أمره
ونهيه وحملة دينه ووحيه وأمناء الله على أنفسكم وبلغاءه إلى الأمم زعيم حق له فيكم
وعهد قدمه إليكم وبقية استخلفها عليكم
كتاب الله الناطق
والقرآن الصادق والنور الساطع والضياء اللامع بينة بصائره منكشفة سرائره منجلية
ظواهره مغتبطة به أشياعه قائدا إلى الرضوان اتباعه مؤد إلى النجاة
استماعه
به تنال حجج الله
المنورة وعزائمه المفسرة ومحارمه المحذرة وبيناته الجالية وبراهينه الكافية وفضائله
المندوبة ورخصه الموهوبة وشرائعه المكتوبة فجعل الله الإيمان تطهيرا لكم
من
الشرك والصلاة
تنزيها لكم عن الكبر والزكاة تزكية للنفس ونماء في الرزق والصيام تثبيتا للإخلاص
والحج تشييدا للدين والعدل تنسيقا للقلوب وطاعتنا نظاما للملة وإمامتنا أمانا
للفرقة
والجهاد عزا للإسلام
والصبر معونة على استيجاب الأجر والأمر بالمعروف مصلحة للعامة وبر الوالدين وقاية
من السخط وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد والقصاص حقنا
للدماء والوفاء
بالنذر تعريضا للمغفرة وتوفية المكاييل والموازين تغييرا للبخس والنهي عن شرب الخمر
تنزيها عن الرجس واجتناب القذف حجابا عن اللعنة وترك السرقة إيجابا
للعفة
وحرم الله الشرك
إخلاصا له بالربوبية فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون وأطيعوا الله
فيما أمركم به ونهاكم عنه فإنه إنما يخشى الله من عباده العلماء