فصل : في صفات الذات وصفات الأفعال
قال الشيخ أبو جعفر - رحمه الله - : كل ما وصفنا الله تبارك وتعالى به من
* هامش *
( 1 ) إذا توسعنا في تدقيق صحائف الكتاب والسنة حق التوسع لم نجد هذا التقسيم الاصطلاحي : أي تقسيم صفات الله إلى صفات الذات ، وصفات الفعل ، وصفات النقص ، وبعبارة أخرى : الكمالية والجلالية والتنزيهية ، أو بحسب المشهور الصفات الثبوتية والزائدة والسلبية .
نعم ، نجد المنشأ الحقيقي لهذا التقسيم الثلاثي موجودا في القرآن والحديث ، وهو أن الصفات بعضها ثابتة لله سبحانه بوجه عام ، من دون استثناء وقت أو فرد كالعلم ، فإنه - عز شأنه - بكل شئ عليم ، عليم في كل أين وآن ، وفي كل مكان وزمان ، لم يزل عالما بكل شئ ولا يزال .
والقسم الثاني من المعاني منفية عن الله كذلك منفية بوجه عام وبدون استثناء وقت أو مقام كالظلم ، فلا يظلم ربك أحدا ، فكما أن العلم ثابت له ولا يزال ، كذلك الظلم منفي عنه على الإطلاق في كل حال .
والقسم الثالث من صفات الله وسط بين القسمين ، فلا هو كلي الثبوت ، ولا هو كلي السلب ، مثل الإرادة ، فإنها قد تثبت لربنا - عز وجل - بالنظر إلى شئ ، وقد تنتفي عنه بالنظر إلى شئ آخر ، كما في آية : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ( البقرة : 186 ) ومتى كان المعنى يستحق الثبوت تارة ويستحق النفي أخرى فهو غير ضروري الايجاب ، كما هو غير ضروري السلب .
هذه ثلاثة أقسام في صفات الله يمتاز كل منها عن البقية بحسب ظواهر الكتاب والسنة ، بل وبحسب ضرورة العقل أيضا ، إذ كل وصف قيس إلى ذات ، فإما أن يكون ضروري الثبوت لها ، أو يكون ضروري السلب عنها ، أو يكون غير
ضروري الثبوت للذات كما هو غير ضروري السلب عنها ، الأمر الذي دعا شيوخ أسلافنا إلى القسمة الثلاثية في صفات الله وتسميتهم القسم الأول بصفات الذات أو الثبوتية .
والقسم الثاني بصفات التنزيهية أو السلبية .
والقسم الثالث بصفات الفعل أو الزائدة ، ويريدون بالفعل ضد الشأن ، وإن كان الأنسب عندنا تسمية الأقسام بالذاتية والنسبية والسلبية . ش . ( * )
صفات ذاته ( 1 ) .
قال الشيخ المفيد - رحمه الله - : صفات الله تعالى على ضربين :
أحدهما : منسوب إلى الذات ، فيقال : صفات الذات .
وثانيهما ( 2 ) : منسوب إلى الأفعال ، فيقال : صفات الأفعال ،
والمعنى في قولنا صفات الذات : أن الذات مستحقة لمعناها استحقاقا لازما لا لمعنى سواها ،
و معنى صفات الأفعال : هو أنها تجب بوجود الفعل ولا تجب قبل وجوده ، فصفات الذات لله تعالى هي الوصف له بأنه حي ، قادر ، عالم ألا ترى أنه لم يزل مستحقا لهذه الصفات ولا يزال .
ووصفنا له تعالى بصفات الأفعال كقولنا خالق ، رازق ، محيي ، مميت ، مبدئ ، معيد ، ألا ترى أنه قبل خلقه الخلق لا يصح وصفه بأنه خالق وقبل إحيائه ( 3 ) الأموات لا يقال إنه محيي .
وكذلك القول فيما عددناه ، والفرق بين صفات الأفعال وصفات الذات : أن صفات الذات لا يصح لصاحبها الوصف بأضدادها ولا خلوه منها، وأوصاف الأفعال يصح الوصف لمستحقها بأضدادها وخروجه عنها، ألا ترى أنه لا يصح [ وصف الله ]( 4 )
تعالى بأنه يموت ، ولا [ بأنه يعجز ، ولا بأنه يجهل ] ( 5 ) ولا يصح الوصف له بالخروج عن كونه حيا عالما قادرا ، ويصح الوصف بأنه غير خالق اليوم، ولا رازق لزيد ، ولا محيي لميت بعينه ، ولا مبدئ لشئ في هذه الحال ، ولا معيد له .
ويصح الوصف له - جل وعز - بأنه يرزق ويمنع ويحيي ويميت ويبدئ ويعيد ويوجد ويعدم ، فثبتت العبرة في أوصاف الذات وأوصاف الأفعال ( 6 ) ، والفرق بينهما ما ذكرناه .